اتفاقية الشبكة بين الحرازلية وسلطات الاحتلال الفرنسي
بقلم : أ . محمد رميلات
بعد سقوط مدينة الأغواط في 4 ديسمبر عام 1852 م بأشهر قليلة تولّى سلطة القيادة عن قبيلة الحرازلية وقبيلة الحجاج معًا القايد علي بن الحرمة وهو من أصل حجاجي واستمر حاكمًا للقبيلتين معا 11 عاما من سنة 1853 م إلى سنة 1864 م . وبعد وفاة القايد علي بن الحرمة سنة 1864 م ، تولىّ القيادة عن الحرازلية أول قائد منهم وهو الداودي بن التومي فمكث على كرسي الحكم 11 عاما مثل سلفه من سنة 1864م إلى 1875م. ولعل أهم حدث وقع في عُهدة الداودي بن التومي هو توقيعه على اتفاقية الشبكة ( نسبة للمكان المُوقّعة فيه ) مع سلطات الاحتلال الفرنسي وبالضبط في 1 نوفمبرسنة 1874 م وتضمّنت الإتفاقية 13 بندًا من بينها 4 شروط هامة ، أولاها احترام الديانة الإسلامية وشعائر المسلمين ، وثانيها عدم قبول الحرازلية لأي قائد غريب لا يمتُّ لهم بصلة قرابة ، وثالثها رفضهم للتجنيد الإجباري في صفوف جيش الاحتلال ، و رابعها امتناعهم عن دفع الضرائب والرسوم و الإتاوات المختلفة وقد كـــانت تسمى آنذاك ( البزرة ، والسُخرة ، و اللزمة ....) أما وساطة التفاوض بين الحرازلية والإدارة الفرنسية فقد تولاّها قائد بريان آنذاك إبراهيم بن جريبـع الميزابي وتُعتبر هذه الإتفاقـية تمردًا واضحًا من الحرازلية على سلطة الإدارة الفرنسية ، كما أن القايد الدّاودي بن التومي خرج عن العُرف المُتعارف عليه لمهام القيّاد والباش آغوات المعروفين بولائهم الشديد لسلطة الاحتلال ، هذا إلى جانب ما عُرف عنه من دهاء وذكاء وشجاعة ورباطة جأش و حصافة رأي ... ويبدوا أن هذه الخصال قد أثارت عقارب الحسد في قلب الباش آغا لخضر فخشي أن تزول سطوته وسلطته إلى جانب سلطة القايد الدّاودي بن التّومي ، و لذلك و بعد مُضي أقل من سنة على اتفاقية الشّبكة تم اغتيال القايد بمكيدة دُبّر لها بليل ، فقد كان الدّاودي بن التّومي يتردّد على مقر سلطة الباش آغوات وهم عائلة معروفة باسم أولاد محاد بن الطّيب تولّوا منصب باش آغا على عروش الأرباع منذ سقوط مدينة الأغواط وإلى الاستقلال ، ومنصب الباش آغا آنذاك يُشبه بالتقريب منصب والي حاليا أما التسمية فهي تركية الأصل ومتوارثة عن الحكم العثماني ، أما حادثة الاغتيال فتذكر بعض الرّوايات الشعبية أن القايد الدّاودي بن التومي زار ذات ليلة خيمة الباش آغا لخضر وقبل أن يصل إليها ببضعة أمتار تألّب عليه الخدم وكلاب الحراسة فقتلوه شر قتلة ، و أشاع خصومه آنذاك أنه كان قادمًا إلى موعد غرامي مع فتاة تدعى ( ڤوتَة ) ، ولذلك بقيت جثته أمام الخيمة عدة أيام و لم يجرُأ أحد على استعادتها نظرًا لكثرة الأراجيف والأباطيل التي شاعت ، بين من يرى أنها مكيدة جُرّ إليها القايد لتصفيته جسديًا وبين من يرى أنه تورّط هو بنفسه في خطأ كان ينبغي أن يُنزه نفسه عن الوقوع فيه ، وبقي كذلك حاله إلى أن تطوّع نفرٌ من أفراد قبيلته فسحبوه ليلاً وهرّبوا جُثمانه في جُنح الظلام ليُوارى الثرى في منطقة (امداقين ) شمال حاسي الدلاعة بنحو 30 كلم أما اتفاقية الشبكة فقد تزامنت مع صدور قانون الأهالي [الأنديجانا ] الذي أطلق أيدي المسؤولين المدنيين الفرنسيين لتوقيع العقوبات على الأهالى دون محاكمة ، وسجـن الأفراد ومصادرة أراضيهم دون حكم قضائي ، فذهبت المُعاهدة أو الاتفاقية أدراج الرياح ، و نقضت فرنسا بُنودها ولم تلتزم بعهودها يوماً أو بعض يوم ، ولعل هذه المقاربات تجعلنا نجزم يقينا بأن حادثة اغتيال القايد الدّاودي بن التومي لها علاقة باتفاقية الشبكة وما ورد فيها من شروط تبدوا إكراهات للسلطة الفرنسية المحتلة آنذاك ولذلك سعت إلى التخلص منه . وبعد ما قضى القايد الداودي بن التومي ، تولّى أخوه أحمد بن التومي سلطة القيادة على الحرازلية و يُروي عن من رآه أنه كان يومئذٍ شيخًا أعرجًا مُسنًا بلغ من الكبر عتيًا ، يمتلئ قلبه غيضًا و حقدًا على الإدارة الفرنسية لأنها لم تفي بعهودها وقتلت أخيه غيلةً وغدرًا ، ولذلك وفور ارتدائه البرنوس الأحمر و جلوسه على كرسي القيادة وجّه تعليماته للحرازلية كي يرتحلوا جميعًا إلى جبل بوكحيل و طولقة وبسكرة فمكث هناك في منطقة الزيبان 14 عامًا بتمامها إلا أن فترة حكمه لم تدم سوى 7 أعوام من سنة 1875م إلى سنة 1882م ، ولمّا وصل أحمد بن التومي إلى نواحي طولقة وبسكرة بعثت فرنسا عُيونها في أثره لتترصد تحركاته " المشبوهة " حتى إذا أدركته وجّهت إليه تُهمة محاولة الهجرة إلى تونس والإلتحاق بمن تبقى من أتباع بن الناصر بن شهرة ، إلا أنه ردّ التُهمة بالقول أنه رفض البقاء في أرض اغتيل بها أخوه ، لكن ذلك لم يشفع له وجرّدته إدارة الاحتلال الفرنسي من البرنوس الأحمر وعزلته عن القيادة بعد 7 أعوام بحجة كبر سنه .
منقول للفائدة
بقلم : أ . محمد رميلات
بعد سقوط مدينة الأغواط في 4 ديسمبر عام 1852 م بأشهر قليلة تولّى سلطة القيادة عن قبيلة الحرازلية وقبيلة الحجاج معًا القايد علي بن الحرمة وهو من أصل حجاجي واستمر حاكمًا للقبيلتين معا 11 عاما من سنة 1853 م إلى سنة 1864 م . وبعد وفاة القايد علي بن الحرمة سنة 1864 م ، تولىّ القيادة عن الحرازلية أول قائد منهم وهو الداودي بن التومي فمكث على كرسي الحكم 11 عاما مثل سلفه من سنة 1864م إلى 1875م. ولعل أهم حدث وقع في عُهدة الداودي بن التومي هو توقيعه على اتفاقية الشبكة ( نسبة للمكان المُوقّعة فيه ) مع سلطات الاحتلال الفرنسي وبالضبط في 1 نوفمبرسنة 1874 م وتضمّنت الإتفاقية 13 بندًا من بينها 4 شروط هامة ، أولاها احترام الديانة الإسلامية وشعائر المسلمين ، وثانيها عدم قبول الحرازلية لأي قائد غريب لا يمتُّ لهم بصلة قرابة ، وثالثها رفضهم للتجنيد الإجباري في صفوف جيش الاحتلال ، و رابعها امتناعهم عن دفع الضرائب والرسوم و الإتاوات المختلفة وقد كـــانت تسمى آنذاك ( البزرة ، والسُخرة ، و اللزمة ....) أما وساطة التفاوض بين الحرازلية والإدارة الفرنسية فقد تولاّها قائد بريان آنذاك إبراهيم بن جريبـع الميزابي وتُعتبر هذه الإتفاقـية تمردًا واضحًا من الحرازلية على سلطة الإدارة الفرنسية ، كما أن القايد الدّاودي بن التومي خرج عن العُرف المُتعارف عليه لمهام القيّاد والباش آغوات المعروفين بولائهم الشديد لسلطة الاحتلال ، هذا إلى جانب ما عُرف عنه من دهاء وذكاء وشجاعة ورباطة جأش و حصافة رأي ... ويبدوا أن هذه الخصال قد أثارت عقارب الحسد في قلب الباش آغا لخضر فخشي أن تزول سطوته وسلطته إلى جانب سلطة القايد الدّاودي بن التّومي ، و لذلك و بعد مُضي أقل من سنة على اتفاقية الشّبكة تم اغتيال القايد بمكيدة دُبّر لها بليل ، فقد كان الدّاودي بن التّومي يتردّد على مقر سلطة الباش آغوات وهم عائلة معروفة باسم أولاد محاد بن الطّيب تولّوا منصب باش آغا على عروش الأرباع منذ سقوط مدينة الأغواط وإلى الاستقلال ، ومنصب الباش آغا آنذاك يُشبه بالتقريب منصب والي حاليا أما التسمية فهي تركية الأصل ومتوارثة عن الحكم العثماني ، أما حادثة الاغتيال فتذكر بعض الرّوايات الشعبية أن القايد الدّاودي بن التومي زار ذات ليلة خيمة الباش آغا لخضر وقبل أن يصل إليها ببضعة أمتار تألّب عليه الخدم وكلاب الحراسة فقتلوه شر قتلة ، و أشاع خصومه آنذاك أنه كان قادمًا إلى موعد غرامي مع فتاة تدعى ( ڤوتَة ) ، ولذلك بقيت جثته أمام الخيمة عدة أيام و لم يجرُأ أحد على استعادتها نظرًا لكثرة الأراجيف والأباطيل التي شاعت ، بين من يرى أنها مكيدة جُرّ إليها القايد لتصفيته جسديًا وبين من يرى أنه تورّط هو بنفسه في خطأ كان ينبغي أن يُنزه نفسه عن الوقوع فيه ، وبقي كذلك حاله إلى أن تطوّع نفرٌ من أفراد قبيلته فسحبوه ليلاً وهرّبوا جُثمانه في جُنح الظلام ليُوارى الثرى في منطقة (امداقين ) شمال حاسي الدلاعة بنحو 30 كلم أما اتفاقية الشبكة فقد تزامنت مع صدور قانون الأهالي [الأنديجانا ] الذي أطلق أيدي المسؤولين المدنيين الفرنسيين لتوقيع العقوبات على الأهالى دون محاكمة ، وسجـن الأفراد ومصادرة أراضيهم دون حكم قضائي ، فذهبت المُعاهدة أو الاتفاقية أدراج الرياح ، و نقضت فرنسا بُنودها ولم تلتزم بعهودها يوماً أو بعض يوم ، ولعل هذه المقاربات تجعلنا نجزم يقينا بأن حادثة اغتيال القايد الدّاودي بن التومي لها علاقة باتفاقية الشبكة وما ورد فيها من شروط تبدوا إكراهات للسلطة الفرنسية المحتلة آنذاك ولذلك سعت إلى التخلص منه . وبعد ما قضى القايد الداودي بن التومي ، تولّى أخوه أحمد بن التومي سلطة القيادة على الحرازلية و يُروي عن من رآه أنه كان يومئذٍ شيخًا أعرجًا مُسنًا بلغ من الكبر عتيًا ، يمتلئ قلبه غيضًا و حقدًا على الإدارة الفرنسية لأنها لم تفي بعهودها وقتلت أخيه غيلةً وغدرًا ، ولذلك وفور ارتدائه البرنوس الأحمر و جلوسه على كرسي القيادة وجّه تعليماته للحرازلية كي يرتحلوا جميعًا إلى جبل بوكحيل و طولقة وبسكرة فمكث هناك في منطقة الزيبان 14 عامًا بتمامها إلا أن فترة حكمه لم تدم سوى 7 أعوام من سنة 1875م إلى سنة 1882م ، ولمّا وصل أحمد بن التومي إلى نواحي طولقة وبسكرة بعثت فرنسا عُيونها في أثره لتترصد تحركاته " المشبوهة " حتى إذا أدركته وجّهت إليه تُهمة محاولة الهجرة إلى تونس والإلتحاق بمن تبقى من أتباع بن الناصر بن شهرة ، إلا أنه ردّ التُهمة بالقول أنه رفض البقاء في أرض اغتيل بها أخوه ، لكن ذلك لم يشفع له وجرّدته إدارة الاحتلال الفرنسي من البرنوس الأحمر وعزلته عن القيادة بعد 7 أعوام بحجة كبر سنه .
منقول للفائدة
0 comments:
Post a Comment