Monday, May 16, 2016

المقامات

نظرة على علم المقامات

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد الأولين و الآخرين المبعوث رحمة للعالمين ، و بعد فهذه نظرة من جهة الشريعة الإسلامية إلى المقامات الصوتية و ليست الموسيقية لان الفرق بينهما شاسع و هذا بديهي ، لان بداية المقامات لم تكن بالموسيقى بل بالأصوات و التقليد و هذا جلي في تباين الأصوات البشرية ، فمنها الرخيم و منها الرقيق و منها دون ذلك ، و كلمة مقام في اللغة هي المنزلة و الدرجة و المكانة ، أما في اصطلاح الكلمة فهي تطلق على التباين و التدرج في صوت الإنسان ، و تعريف الكلمة ( المقامات ) : هي تصنيف الحالة المزاجية للحن أو هي محاكاة الحالة المزاجية للإنسان على ما يتلفظ به من أشعار أو ابتهالات و موشحات أو الاستعانة بها في قراءة القرءان كذلك ، فمما لا شك فيه أن كل صوت حسن في هذا الكون يندرج تحت مقام من المقامات و يبقى تباين اصطلاحها و استخدامها بين مختلف الثقافات و الشعوب و الحضارات ، فالغرب مثلا أطلقوا عليها اسم فن المقامات ، و اليونانيون اتخذوها فلسفة و كان دورها كبير بالنسبة لهم في الإبداع و الإنتاج اللحني ، أما العرب – و هذا مربط الفرس – فقد اتخذوها علما و صار يطلق عليه علم المقامات الصوتية و صارت تدرس في المعاهد و المدارس و الجامعات ، و أصبحت تستخدم كمرجع للتلحين و استخدمها آخرون في قراءة القرءان مما أثار حفيظة بعض رجال الدين الذين كان لهم رأي آخر على غرار البعض ، و اختلفت بين مؤيد و معارض و كل يدلي بدلوه لترجيح الرأي الصواب .
قال النبي صلى الله عليه و سلم لأحد الصحابة رضوان الله عليهم : " لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داوود " ، فلماذا شبه النبي صلى الله عليه و سلم الصوت بالمزمار ؟، لا شك أن صوت هذا الصحابي حسن و إلا لما نعته بذلك ففي الحديث ترغيب ضمني على تحسين الصوت عند التلاوة بل هناك بعض الأحاديث الصريحة التي ترغب في تحسين الصوت ، كما في حديث البراء بن عازب عندما سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقرأ سورة التين ، فقال : ما سمعت أحدا أحسن صوتا منه ، و قال النبي صلى الله عليه و سلم :" زينوا القرءان بأصواتكم " رواه أبو داوود و النسائي ، و قال:" ليس منا من لم يتغنى القرءان " رواه ابن ماجة . فكل هذه الأحاديث تحث على تحسين الصوت عند تلاوة القرءان و كما سبق و قلنا أن هذا التحسين لا بد أن يندرج ضمن أحد المقامات كما سبق ، شاء صاحبه أم أبا .
جمع علماء الصوتيات المقامات في قولهم :" صنع بسحرك " و كل حرف من هذه الكلمة يحمل اسم مقام من المقامات كما يحمل حالة مزاجية معينة  و هي كالتالي :
1.    حرف الصاد : مقام الصبا و هو أول المقامات ، فهذا المقام يعبر عن الحزن و الأسى بحيث يحمل في طياته الحسرة و الألم و غيرها من هذه الأحاسيس .
2.    حرف النون : مقام النهاوند غالبا ما يستخدم هذا المقام في الغزل و وصف الإنسان و الأشياء .
3.    حرف العين : مقام العجم يميل هذا المقام إلى نوع من الحزن لا يكون في درجة الصبا و يستخدم للمناجاة و يعرف بأنه لحن الهيبة و الجلال .
4.    حرف الباء: مقام البيات هو احد المقامات التي اشتهر بها الكثير من القراء فهذا المقام يستخدم في حالتي الحزن أو الفرح و يعبر أيضا عن العراقة و الأصالة .
5.    حرف السين : مقام السيكا مقام الفرح و النشوة و السرور مثل نشيد طلع البدر علينا .
6.    حرف الحاء : مقام الحجاز يعد هذا المقام في المرتبة الثانية حزنا بعد الصبا فهو لحن حنين و شوق و تأمل .
7.    حرف الراء : مقام الرست هو أبو الأنغام جميعا كما هو مقام الطرب مقام له إحساس خاص يجمع بين الطرب و حسن التذوق .
8.    حرف الكاف : مقام الكرد و هذا المقام أضيف مؤخرا و تفرع من مقام البيات ففيه من الحزن ما يوصف بالحرقة و العذاب و البعد و غيرها .

هذه المقامات التي تم ذكرها آنفا هي المقامات الرئيسية و التي يتفرع منها عدد من المقامات المختلفة باختلاف تعابيرها فيما يزيد عن أربعمائة  مقام لكل مقام أوصافه الخاصة ، فمن بينها مثلا : المقام اللامي و هو من فروع مقام العجم و مقام البيات نوى ، و البيات شوري و هو من مقطعين يبدأ بالحجاز و يختم بالبيات ، إلى غير ذلك من الفروع .
ذهب بعض العلماء إلى أن من استحضر الخشوع و التدبر و مراعاة الأحكام أثناء تلاوة القرءان فلا بأس أن يستعين بالمقامات في ذلك و إلا فانه يخالف الأحاديث التي تنهى عن اللحن و التمطيط و كما لا يخفى علينا أن الأحاديث تتكرر في الترغيب في تحسين الصوت في قوله صلى الله عليه و سلم: " ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي حسن الصوت يتغنّى بالقرءان " رواه البخاري و مسلم .
أما بالنسبة لمن ينكر ذلك فيجب عليه أن يوسع دائرة اطلاعه و بحثه و التعرف على أحوال الناس و طبائعهم ليس في هذه المسألة فقط بل في جميع مسائل الحيات ليستطيع استنباط حكم شرعي دامغ لا ريب فيه ، بحيث يزخر بالحجج و الأدلة الدامغة و إلا فهو يفتي فيما لم يحط به علما و هذا ما ذهب إليه الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه إعلام الموقعين عن رب العالمين :( ..و من أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتب – على اختلاف عرفهم و عوائدهم و أزمنتهم و أمكنتهم و أحوالهم و قرائن أحوالهم _ فقد ضل و أضل ، و كانت جنايته على الدين أعظم من جناية من طبب الناس كلّهم _ على اختلاف بلادهم و عوائدهم و أزمنتهم و طبائعهم ، بما في كتاب من كتب الطبّ – على أبدانهم ، ... بل هذا الطبيب الجاهل و هذا المفتي الجاهل أضر على الناس و أبدانهم و الله المستعان ). و ذكر الشيخ الحلبي حفظه الله في مقاله عن اختلاف الزمان و المكان و أثرهما على المسائل و الأحكام . (إن النفس إذا كانت على حال الاعتدال في قبول الخبر ، أعطته حقه من التمحيص و النظر حتى تتبين صدقه من كذبه ، و إذا خامرها شك أو تشيع لرأي أو نحلة ، قبلت ما يوافقها من الأخبار لأول وهلة ) تاريخ ابن خلدون .
فإذا عدنا إلى علم المقامات فانه يجب على المنكر في هذه الحالة أن يعتزل الناس تماما و سماع القرءان من الآخرين ،- بالنظر إلى نكرانه – فالتمسك بالفتاوى الحديثة  يعد تمسكا جافا لا مكان له في الاستدلال لأنه أميل إلى التشدد و الغلو منه إلى التطلع إلى إبراز الحقيقة .
اعلم أيها المنكر أن : المقرأ الشيخ عبد الرحمن السديس يقرأ بمقام الرست و أن الشيخ العفاسي يقرأ بشتى المقامات و أن الشيخ خالد عبد الكافي يقرأ بمقام النهاوند و أن الشيخ ماهر المعيقلي يقرأ بمقام البيات ..و غيرهم الكثير مما لا يسع ذكره ، فكل يتميز بمقامه ، لذا يجب عليك في حال الإنكار أن لا تستمع لأي من هؤلاء أو ربما لأي مقرأ على الإطلاق .
فالإنكار دون بحث مضني و اطلاع كافي يعد اتهام بالمخالفة و هذا أمر لا يجب أن يحدث بين المسلمين لان الاختلاف وارد و لا يجب إنكاره بأي حال من الأحوال فان الاجتهاد لا يرد باجتهاد كما نعلم ، و المسألة واسعة و الحمد لله فما من احد جعل وصيا على الدين يفصل في المسائل بمجرد رأيه فمن أنكر على المجتهد في المسائل التي ليس فيها نص صريح يعد اتهاما ، و كأن صاحبه ينسب إلى نفسه العصمة و لغيره الخطأ و الله المستعان .        





أحمد رميلات فرقة البديل /حاسي الدلاعة

0 comments:

Post a Comment

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More