نظرة على علم المقامات
بسم الله الرحمن
الرحيم الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد الأولين و الآخرين
المبعوث رحمة للعالمين ، و بعد فهذه نظرة من جهة الشريعة الإسلامية إلى المقامات
الصوتية و ليست الموسيقية لان الفرق بينهما شاسع و هذا بديهي ، لان بداية المقامات
لم تكن بالموسيقى بل بالأصوات و التقليد و هذا جلي في تباين الأصوات البشرية ،
فمنها الرخيم و منها الرقيق و منها دون ذلك ، و كلمة مقام في اللغة هي المنزلة و
الدرجة و المكانة ، أما في اصطلاح الكلمة فهي تطلق على التباين و التدرج في صوت الإنسان
، و تعريف الكلمة ( المقامات ) : هي تصنيف الحالة المزاجية للحن أو هي محاكاة
الحالة المزاجية للإنسان على ما يتلفظ به من أشعار أو ابتهالات و موشحات أو
الاستعانة بها في قراءة القرءان كذلك ، فمما لا شك فيه أن كل صوت حسن في هذا الكون
يندرج تحت مقام من المقامات و يبقى تباين اصطلاحها و استخدامها بين مختلف الثقافات
و الشعوب و الحضارات ، فالغرب مثلا أطلقوا عليها اسم فن المقامات ، و اليونانيون
اتخذوها فلسفة و كان دورها كبير بالنسبة لهم في الإبداع و الإنتاج اللحني ، أما
العرب – و هذا مربط الفرس – فقد اتخذوها علما و صار يطلق عليه علم المقامات
الصوتية و صارت تدرس في المعاهد و المدارس و الجامعات ، و أصبحت تستخدم كمرجع
للتلحين و استخدمها آخرون في قراءة القرءان مما أثار حفيظة بعض رجال الدين الذين
كان لهم رأي آخر على غرار البعض ، و اختلفت بين مؤيد و معارض و كل يدلي بدلوه
لترجيح الرأي الصواب .
قال النبي صلى الله عليه و سلم لأحد الصحابة رضوان الله عليهم : " لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل
داوود " ، فلماذا شبه النبي صلى الله عليه
و سلم الصوت بالمزمار ؟، لا شك أن صوت هذا الصحابي
حسن و إلا لما نعته بذلك ففي الحديث ترغيب ضمني على تحسين الصوت عند التلاوة بل
هناك بعض الأحاديث الصريحة التي ترغب في تحسين الصوت ، كما في حديث البراء بن عازب
عندما سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقرأ سورة التين ، فقال : ما سمعت أحدا أحسن
صوتا منه ، و قال النبي صلى الله عليه و سلم :" زينوا القرءان بأصواتكم
" رواه أبو داوود و النسائي ، و قال:" ليس منا من لم يتغنى القرءان
" رواه ابن ماجة . فكل هذه الأحاديث تحث على تحسين الصوت عند تلاوة القرءان و
كما سبق و قلنا أن هذا التحسين لا بد أن يندرج ضمن أحد المقامات كما سبق ، شاء
صاحبه أم أبا .
جمع علماء
الصوتيات المقامات في قولهم :" صنع بسحرك " و كل حرف من هذه الكلمة يحمل
اسم مقام من المقامات كما يحمل حالة مزاجية معينة و هي كالتالي :
1.
حرف الصاد : مقام الصبا و هو أول المقامات ، فهذا المقام
يعبر عن الحزن و الأسى بحيث يحمل في طياته الحسرة و الألم و غيرها من هذه الأحاسيس
.
2.
حرف النون : مقام النهاوند غالبا ما يستخدم هذا المقام في
الغزل و وصف الإنسان و الأشياء .
3.
حرف العين : مقام العجم يميل هذا المقام إلى نوع من الحزن
لا يكون في درجة الصبا و يستخدم للمناجاة و يعرف بأنه لحن الهيبة و الجلال .
4.
حرف الباء: مقام البيات هو احد المقامات التي اشتهر بها
الكثير من القراء فهذا المقام يستخدم في حالتي الحزن أو الفرح و يعبر أيضا عن
العراقة و الأصالة .
5.
حرف السين : مقام السيكا مقام الفرح و النشوة و السرور
مثل نشيد طلع البدر علينا .
6.
حرف الحاء : مقام الحجاز يعد هذا المقام في المرتبة
الثانية حزنا بعد الصبا فهو لحن حنين و شوق و تأمل .
7.
حرف الراء : مقام الرست هو أبو الأنغام جميعا كما هو مقام
الطرب مقام له إحساس خاص يجمع بين الطرب و حسن التذوق .
8.
حرف الكاف : مقام الكرد و هذا المقام أضيف مؤخرا و تفرع
من مقام البيات ففيه من الحزن ما يوصف بالحرقة و العذاب و البعد و غيرها .
هذه المقامات التي تم ذكرها آنفا هي المقامات الرئيسية و
التي يتفرع منها عدد من المقامات المختلفة باختلاف تعابيرها فيما يزيد عن أربعمائة مقام لكل مقام أوصافه الخاصة ، فمن بينها مثلا
: المقام اللامي و هو من فروع مقام العجم و مقام البيات نوى ، و البيات شوري و هو
من مقطعين يبدأ بالحجاز و يختم بالبيات ، إلى غير ذلك من الفروع .
ذهب بعض العلماء إلى أن من استحضر الخشوع و التدبر و مراعاة
الأحكام أثناء تلاوة القرءان فلا بأس أن يستعين بالمقامات في ذلك و إلا فانه يخالف
الأحاديث التي تنهى عن اللحن و التمطيط و كما لا يخفى علينا أن الأحاديث تتكرر في
الترغيب في تحسين الصوت في قوله صلى الله عليه و سلم: " ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي حسن الصوت يتغنّى
بالقرءان " رواه البخاري و مسلم .
أما بالنسبة لمن ينكر ذلك فيجب عليه أن يوسع دائرة
اطلاعه و بحثه و التعرف على أحوال الناس و طبائعهم ليس في هذه المسألة فقط بل في
جميع مسائل الحيات ليستطيع استنباط حكم شرعي دامغ لا ريب فيه ، بحيث يزخر بالحجج و
الأدلة الدامغة و إلا فهو يفتي فيما لم يحط به علما و هذا ما ذهب إليه الإمام ابن
القيم رحمه الله تعالى في كتابه إعلام الموقعين عن رب العالمين :( ..و من أفتى
الناس بمجرد المنقول في الكتب – على اختلاف عرفهم و عوائدهم و أزمنتهم و أمكنتهم و
أحوالهم و قرائن أحوالهم _ فقد ضل و أضل ، و كانت جنايته على الدين أعظم من جناية
من طبب الناس كلّهم _ على اختلاف بلادهم و عوائدهم و أزمنتهم و طبائعهم ، بما في
كتاب من كتب الطبّ – على أبدانهم ، ... بل هذا الطبيب الجاهل و هذا المفتي الجاهل
أضر على الناس و أبدانهم و الله المستعان ). و ذكر الشيخ الحلبي حفظه الله في
مقاله عن اختلاف الزمان و المكان و أثرهما على المسائل و الأحكام . (إن النفس إذا
كانت على حال الاعتدال في قبول الخبر ، أعطته حقه من التمحيص و النظر حتى تتبين
صدقه من كذبه ، و إذا خامرها شك أو تشيع لرأي أو نحلة ، قبلت ما يوافقها من الأخبار
لأول وهلة ) تاريخ ابن خلدون .
فإذا عدنا إلى علم المقامات فانه يجب على المنكر في هذه
الحالة أن يعتزل الناس تماما و سماع القرءان من الآخرين ،- بالنظر إلى نكرانه –
فالتمسك بالفتاوى الحديثة يعد تمسكا جافا
لا مكان له في الاستدلال لأنه أميل إلى التشدد و الغلو منه إلى التطلع إلى إبراز
الحقيقة .
اعلم أيها المنكر أن : المقرأ الشيخ عبد
الرحمن السديس يقرأ بمقام الرست و أن الشيخ العفاسي يقرأ بشتى المقامات و أن الشيخ
خالد عبد الكافي يقرأ بمقام النهاوند و أن الشيخ ماهر المعيقلي يقرأ بمقام البيات
..و غيرهم الكثير مما لا يسع ذكره ، فكل يتميز بمقامه ، لذا يجب عليك في حال الإنكار
أن لا تستمع لأي من هؤلاء أو ربما لأي مقرأ على الإطلاق .
فالإنكار دون بحث مضني و اطلاع كافي يعد
اتهام بالمخالفة و هذا أمر لا يجب أن يحدث بين المسلمين لان الاختلاف وارد و لا
يجب إنكاره بأي حال من الأحوال فان الاجتهاد لا يرد باجتهاد كما نعلم ، و المسألة
واسعة و الحمد لله فما من احد جعل وصيا على الدين يفصل في المسائل بمجرد رأيه فمن أنكر
على المجتهد في المسائل التي ليس فيها نص صريح يعد اتهاما ، و كأن صاحبه ينسب إلى
نفسه العصمة و لغيره الخطأ و الله المستعان .
أحمد رميلات فرقة البديل /حاسي الدلاعة
0 comments:
Post a Comment